لن أتحدث طويلًا -في هذا المقام- عن أنواع الفن ونشأته ووظيفته وخصائصه وأهميته، وإنّما-سأتناول -تحديدًا- الفن ودوره وعلاقته بالسلطة والحرية والثورة السورية؛ فالكتب والأبحاث والمقالات والمراجعات التي كُتبت في نشأة الفن وتاريخه وفلسفته كثيرة ومتنوعة وغنية، وقد استفاضت في الحديث عن ذلك كله.
وعلى الرغم من أن الباحثين والمفكرين اختلفوا، وتباينت آراؤهم- كثيرًا أو قليلًا- في تعريف الفن وماهيته ودوره، وعلى الرغم من أن تلك الآراء مهمّة جدًا، ويمكن الحديث عنها في كل زمان ومكان، غير أنني سأحاول أن أقارب رأيًا أكثر أهمية وإلحاحًا الآن، حول أوضاع الفن والفنانين في مثول نظام الاستبداد، وحول علاقة الفن بالسلطة والثورة، ودوره ووظيفته في البلدان التي ثارت شعوبها، بعد أن ابتليت بأنظمة ديكتاتورية استبدادية فاسدة، تنعدم- بوجودها- الحريات العامة والخاصة، وتُصادر البلدان وحرية الشعوب معًا، ويُوظَّف الفن والإبداع قسرًا وطوعًا؛ في خدمة “القائد” وحزبه ونظام حكمه، وسأحاول التركيز على دور الفن والفنانين في الأوقات العصيبة التي تمر بها المجتمعات والشعوب، في الثورات والحروب، والمراحل الانتقالية والمنعطفات الحاسمة في تاريخها، أيّ أن حديثنا سيكون عن الفن وعلاقته بالسلطة من جهة، ودوره المحتمل، أو المراد، في الثورة وما يليها، وسأخص بالدرس والتحليل ما حدث، ويحدث الآن، في سورية التي تقوم فيها ثورة شعبية وطنية استثنائية، تنشد الحرية والكرامة لجميع السوريين، بدأت في منتصف آذار/ مارس 2011، على الرغم من القمع والقتل والتدمير والتهجير والمجازر، يرتكبها رجال الأمن والجيش “العقائدي” والإعلام الموّجه وقطعان “الشبيحة”[1] الموالين للنظام، بشكل وحشي، غير أخلاقي وغير مسبوق. وحديثنا سيكون أقرب إلى المقتطفات السريعة والشهادات الحيّة على الحوادث التي عشتها، وجرّبت بعضها بنفسي، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، منه إلى البحث العلمي الموسّع الذي يحتاج إلى دراساتٍ متأنية وشاملة ونهائية، والتي تتطلب مزيدًا من الوقت والجهد.
والحديث عن تلك اللحظات الفاصلة في حياة السوريين ومستقبلهم، وعن دور الفن والفنانين فيها، لا يمكن أن يستوي من دون تعرّف طبيعة الفن ووظيفته وعلاقته بالسلطة والحرية، وطبيعة الثورة السورية من جهة، وخصوصية نظام الاستبداد البعثي الذي استمرّ نحو نصف قرن، وعلاقته بالفن والفكر والثقافة، من جهة أخرى.
[1] – كلمة شعبية تطلق على عصابات تستقوي بالسلطة؛ فتعتدي على الناس، وتسلب حقوقهم، من دون رادع أو محاسبة، وتحت أنظار القانون، وتسجل جرائمهم- عادة- ضدّ مجهول. وقد يكون أصلها مشتق من كلمة “شَبَح”: مجهول
لقراءة الملف كاملًا من هنا