ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فقد خرج من الغوطة الشرقية خلال الفترة من 9 آذار/مارس وحتى 18 نيسان/أبريل أكثر من 158 ألف شخص، أي حوالي 40% من سكان الغوطة الشرقية. ووفقاً للتقديرات، فإنّ 92338 منهم توجهوا إلى دمشق وريفها في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام. فيما توجّه الباقون إلى ريف حلب ومحافظة إدلب بناء اتفاقيات التهجير المنظم التي تم توقيعها مع روسيا. ووفقاً لإحصاء مركز جسور للدراسات، فإنّ عدد من توجهوا إلى الشمال يبلغ 66377 شخصاً.
وتمت عملية التهجير من منطقة حرستا في الفترة من 23-24/3/2018 وشملت دفعتين من المهجّرين، وغادر فيها 5204 شخصاً، توجهوا إلى محافظة إدلب.
وتمت عملية التهجير من القطاع الأوسط في الفترة من 25/3-1/4/2018، وشملت ثمانية مراحل، غادر فيها 41984 شخصاً توجّهوا إلى مناطق مختلفة في محافظة إدلب.
وتمت عملية التهجير من مدينة دوما في الفترة من 2-14/4/2018، وشملت عشرة مراحل، وغادر فيها 19189 شخصاً توجهوا إلى مناطق درع الفرات.
وينبغي الإشارة هنا إلى وجود اختلاف واضح في أعداد المهجّرين من المناطق الثلاث وفقاً لمصادر المعلومات. حيث زاد عدد مهجري حرستا وفقاً لمصادر المعارضة بحوالي (900) شخص مقارنة مع مصادر النظام، وزاد عدد مهجري القطاع الأوسط بحوالي (1300) شخص في مصادر المعارضة مقارنة مع مصادر النظام. ولا يُعرف سبب هذه الفجوة.
وبمقارنة عدد المهجرين إلى الشمال من الغوطة الشرقية مع الاتفاقيات المماثلة التي أجريت في حلب والوعر، فإنّ تهجير الغوطة الشرقية هو أكبر عملية تهجير منظم تشهدها سورية خلال الأزمة.
تداعيات التهجير
1. التداعيات الاجتماعية
يلاحظ من خلال رصد أعداد الخارجين من الغوطة نحو الشمال السوري أن غالبية السكان فضلوا عدم الهجرة، وأن الغالبية منهم فضلوا النزوح لمناطق النظام رغم المخاطر الأمنية لذلك. فوفقاً للتقديرات المحلية، فإنّ عدد سكان الغوطة الشرقية في بداية عام 2018 بلغ حوالي 340 ألف نسمة، غادر منهم إلى الشمال نحو 66 ألفاً (انظر الشكل رقم -1-). أي حوالي 20% من السكان. وهو معدّل أقل من معدّل من خرجوا من أحياء حلب الشرقية، وإن كان -من حيث العدد الإجمالي- الأكبر في تاريخ التهجير المنظم في سورية.
ولن تترك هذه النسبة أثراً كبيراً على التركيبة الديموغرافية في مناطق الغوطة الشرقية، إذ أن عودة هذه المناطق إلى سيطرة النظام ستسمح لاحقاً بعودة الكثير من أهالي المنطقة، ممن نزحوا خلال هذه السنة أو في السنوات الماضية إلى العاصمة دمشق أو إلى مناطق أخرى، ولن يكون من السهل على النظام أو أي طرف أجنبي إحلال أشخاص غيرهم في هذه المناطق.
أما من الناحية الاجتماعية في إدلب ومناطق درع الفرات، فإنّ وصول هذا العدد الكبير من مهجري الغوطة الشرقية سوف يزيد من العبء الإنساني على هذه المناطق. وهو العبء الذي تُعاني منه محافظة إدلب أصلاً، حيث كان عدد سكانها قبل عام 2011 يقارب مليون نسمة، فيما وصل الآن لحوالي مليوني نسمة، مع تضرر البنية التحتية والمرافق العامة التي كانت موجودة قبل عام 2011 بشكل كبير خلال سنوات الحرب، وهي بنية ضعيفة أصلاً.
ويُعتقد أن فرص عودة مهجّري الغوطة الذين انتقلوا إلى الشمال في العودة إلى منازلهم سوف تكون فرصاً محدودة للغاية على المدى المتوسط، ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي يقوم على الوحدة السياسية والإدارية لكل المناطق السورية، ويضمن تغيرات بنوية في أجهزة الأمن بصورة تمنع ملاحقة من شاركوا في العمل العسكري، وهو أمر غير منظور في الوقت الراهن. وهو أمر ينطبق على مهجري المناطق الأخرى إلى الشمال السوري.
كما يعتقد أن مهجري الغوطة سوف يتركون أثراً إيجابياً على المناطق التي نزحوا إليها على المدى الطويل، حيث يمتاز معظم المهجرين من الكبار بأنهم من المتعلمين أو الحرفيين، وبالتالي فإنّهم سيؤثرون بشكل إيجابي على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الشمال.
لكن أطفال المهجرين سيحتاجون إلى برامج خاصة كي يتمكنوا من الاندماج في المجتمعات الجديدة، حيث أن معظمهم لم يسبق له أن خرج من الغوطة أصلاً، كما أن معظمهم انقطع عن التعليم بشكل كامل أو متقطع خلال السنوات الماضية.
2. التداعيات الفصائلية
أظهر تطبيق اتفاقيات التهجير أن عدد مقاتلي حركة أحرار الشام في الغوطة الشرقية الذين خرجوا بسلاحهم الخفيف من حرستا لا يتجاوز 700 شخص في أحسن الأحوال، أما عدد مقاتلي فيلق الرحمن فيتراوح بين 5-7 آلاف شخص، وهو نفس التقدير بالنسبة لعناصر جيش الإسلام.
ويعود هامش التقدير الكبير في عدد عناصر فيلق الرحمن وجيش الإسلام إلى أن الكثير من الأفراد سجّلوا أنفسهم كعسكريين أثناء الخروج، خاصة الكوادر الطبية وأعضاء المجالس المحلية والإعلاميين وأفراد الدفاع المدني والشباب في سن الخدمة الإلزامية غير الراغبين في البقاء. وعلى سبيل المثال، فإنّ أول قافلتين خرجتا من دوما لم تحملا أي عسكري في جيش الإسلام، رغم أن كل من خرج فيهما كان مسجلاً كعسكري.
كما تنبغي الإشارة إلى أن العسكريين فعلاً ليسوا مقاتلين بالضرورة، إذ أن الفصائل كانت توظّف عدداً كبيراً من العاملين في قطاعات مدنية مساندة، مثل السائقين والشرعيين والإعلاميين.. إلخ.
ويعتقد أن نسبة لا بأس بها من عناصر الفصائل المهاجرة ستعتزل العمل المسلح، على غرار العديد من الفصائل الأخرى التي تم تهجيرها، إما نتيجة الإحباط الذي يصيب المهجّرين نتيجة لفشل مشروعهم السياسي أو الأيديولوجي الذي دعموه لسنوات ونتيجة لوصولهم إلى بيئة اجتماعية جديدة لم يعتادوا عليها، أو نتيجة لفقدانهم القناعة بقيادات فصائلهم أو بالعمل الفصائلي ككل. وسيسعى هؤلاء الشباب إلى بدء حياة جديدة في الشمال، أو حتى السعي للسفر خارج سورية.
وبالمقابل، فإنّ نسبة أخرى سوف تترك فصائلها، ولكنها ستنضمّ إلى فصائل أخرى، إما لأن الفصائل التي هُجّرت معها لم تعد قادرة على توظيفها كما كانت تفعل عندما كانت على أرضها، أو لعدم قناعتها بالمنهج الذي تتبعه قيادة هذه الفصائل. وتشير المعلومات الواردة من إدلب إلى أن هيئة تحرير الشام تحديداً تمكّنت خلال الفترة الوجيزة التي تلت وصول المهجرين من استقطاب عدد من مقاتلي فيلق الرحمن القادمين إلى إدلب.
ورغم العدد الكبير نسبياً لعناصر الفصائل المهجّرة، إلا أن من غير المتوقع أن يترك هذا العدد أثراً ملحوظاً على الخريطة الفصائلية في الشمال السوري، لاعتبارات عديدة، أهمها أن الفصائل القادمة أصيبت بالهشاشة نتيجة لخروجها من أرضها، وبالمقابل فإنّ الفصائل الموجودة في الشمال هي فصائل مستقرة ومتجذرة هناك، وبالتالي فإنّ المهجّرين سيضطرون للخضوع لقواعد اللعبة الفصائلية المقررة في الشمال، ولا يمكن لهم أن يؤثّروا فيها إلا بعد سنوات من الاستقرار وإعادة التشكّل، إن استطاعوا فعل ذلك.
3. التداعيات العسكرية والسياسية
يُلاحظ أن روسيا رفضت بشكل قاطع مناقشة فكرة تهجير المقاتلين إلى مناطق سيطرة المعارضة في الجنوب. ويمكن فهم هذا الرفض من خلال رغبتها في إغلاق ملف الغوطة الشرقية بشكل نهائي من خلال إبعاد المقاتلين والمهجرين عن مناطقهم بأكبر قدر ممكن، كما يمكن أن يكون الرفض أردنياً وأمريكياً أيضاً، حيث أن قدوم مهجري الغوطة إلى المنطقة الجنوبية سوف يثير الكثير من القلاقل في التركيبة الاجتماعية والفصائلية هناك، وسيفقد هذه المناطق حالة الاستقرار النسبي الذي تشهده منذ سنوات.
وقد سمح التهجير المنظم الذي شهدته الغوطة الشرقية بشكل واسع النطاق إلى منح النظام وحلفائه الأجانب تفوقاً سياسياً وعسكرياً في محيط العاصمة، وسمح بنقل التركيز العسكري إلى جنوبها، الأمر الذي أفضى إلى تقدّم ميداني سهل هناك بعد أيام قليلة من إخلاء مدينة دوما، آخر معاقل المعارضة في الغوطة. وتمكنت روسيا من توقيع اتفاقيات مشابهة لتلك التي أجرتها في قطاعات الغوطة الثلاثة في كل من مدينة الرحيبة والضمير وبلدتي جيرود والناصرية في القلمون الشرقي، واستمرت في حملتها للسيطرة على أحياء القدم والتضامن والحجر الأسود ومخيم اليرموك.