تمر الذكرى العاشرة للثورة السورية على محافظة الحسكة وقد غابت مظاهر الاحتفال عن مدنها الرئيسة، باستثناء مدينة رأس العين، التي سيطرت عليها فصائل المعارضة المدعومة تركيًا في تشرين الأول من عام 2019، كتنظيم المظاهرات التي رفعت أعلام وشعارات الثورة السورية، وإجراء المسابقات والأنشطة الرياضية بهذه المناسبة.
مرت أحداث عديدة على المنطقة خلال سنوات الثورة أعطتها حالًا مختلفة عن بقية المحافظات السورية، وجعلتها، رغم معارضتها للنظام، بعيدة عن المظاهر الثورية التي حضرت في شوارعها باكرًا عام 2011.
كانت أولى المظاهرات في مدينة القامشلي في 25 من آذار عام 2011، حين تضامن سكانها مع من سبقهم من المتظاهرين المنددين بسوء الأوضاع المعيشية والمطالبين بالإصلاح في سوريا، لكن اسمها لم يبقَ بين المدن الثائرة طويلًا.
جامع “قاسمو”.. من انطلاق المظاهرات إلى الإغلاق
انطلاقًا من جامع “قاسمو”، في حي الهلالية، كان خروج أولى المظاهرات في مدينة القامشلي، وبقي نقطة للتجمع وتوزيع المنشورات، حسبما قال الإعلامي سامر الأحمد، الذي كان من المشاركين الأوائل بالحراك الثوري في المدينة، لعنب بلدي.
كان لمظاهرات القامشلي “حضور فاعل”، بقيادة مجموعة من الناشطين الشباب، وشملت أنشطتهم التظاهر وكتابة الشعارات على الجدارن، ورسوم الكاريكاتير، التي تميزت بها مدينة عامودا التي كانت تشبه ما تميزت به مدينة كفرنبل في إدلب، حسب رأي الأحمد.
منذ الأيام الأولى كانت لعبة النظام هي الوتر القومي، في المدينة التي تتميز بغناها العرقي، بين عرب وكرد وسريان، وأشار الأحمد إلى أن إعلام النظام حاول إضفاء طابع قومي معيّن على المظاهرات “لضرب مكونات المنطقة بعضها ببعض”.
تنبه الناشطون لما أراد النظام فعله، فرفعوا شعارات تعبر عن مشاركة كل مكونات المنطقة في المظاهرات ضده، لكن هذا الحراك تعرض لـ”انتكاسة” بعد اغتيال المعارض الكردي مشعل تمو من قبل “مجهولين”، في 7 من تشرين الأول عام 2011، مع حصول “خلل في التنسيق”.
جابت المظاهرات شوارع القامشلي بعد مقتل تمو، وأُسقط تمثال الرئيس السابق للنظام، حافظ الأسد، لكن “المجلس الوطني الكردي”، الذي أُنشئ في تشرين الأول من عام 2011، بدأ بتنظم مظاهرات مستقلة وبأسماء جُمع مختلفة عن اتفاق الثوار في بقية المناطق السورية.
كما بدأ حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، المؤسس منذ عام 2003، ويعتبر الفرع السوري لحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، والذي رفض الانضمام مع الجزء الأكبر من أحزاب المعارضة الكردية إلى “المجلس الوطني الكردي”، والذي وصفه الأحمد بـ”البعيد جدًا عن الثورة السورية”، بإغلاق جامع “قاسمو” ومنع خروج المظاهرات منه، ما “أضعف الحراك الثوري في المدينة بشكل كبير”.
عوائق الأنشطة الثورية في القامشلي
لعب فارق التوقيت مع بقية المدن السورية “دورًا إيجابيًا” من الناحية الإعلامية، حسب تقييم الإعلامي سامر الأحمد، إذ كانت صلاة الجمعة تنتهي قبل بقية المناطق السورية، وبالتالي أول مدينة يبدأ الإعلام بنقل مظاهراتها كانت القامشلي، لكن ذلك لا يعني “عدم وجود تجاهل لممارسات (PYD) في قمع المظاهرات بعد أن أطلق النظام يده في المنطقة”.
سيطرت الأحزاب الكردية على المدينة، ونادت باستعادة حقوق الكرد التي حرمهم منها النظام السوري، إضافة إلى رفعها رموزًا وشعارات لتيارات نادت بانفصال المنطقة إداريًا، لتجد دعمًا من جهات وصدًا من أطراف دولية ومحلية.
وأضاف الأحمد أن “الإدارة الذاتية”، التي تدير منطقة شمالي وشرقي سوريا منذ عام 2014، ترفض منح أي ترخيص لمظاهرات إحياء ذكرى الثورة السورية، حيث أدى ذلك إلى خروج عدد كبير من الناشطين خارج المنطقة.
يستذكر ناشط ثوري، تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، الكلمات السياسية التي كان يلقيها الناشطون في أثناء المظاهرات، واصفًا إياها بـ“أفضل” الأنشطة الثورية، بالإضافة إلى الهتافات التي تعبر عن تضامن القامشلي مع غيرها من المدن السورية.
ويرى الناشط المقيم في القامشلي، أن سيطرة النظام و”قسد” على المنطقة، أدت إلى ابتعاد الناشطين عن العمل الثوري خصوصًا العمل الإعلامي، خوفًا من الاعتقال والقتل، و”نتج عن ذلك اعتماد وسائل الإعلام الثورية والعربية وحتى العالمية على مراسلين من مكوّن معيّن،”، على حد وصفه، وهو ما أدى إلى نقل الأحداث في المنطقة “من وجهة نظر قسد فقط”، التي تصف الثورة والثوار بـ“المرتزقة”.
تشويه وتقصير
“بدأنا نسمع على الإعلام مصطلحات تخص المنطقة، وتسميات لبلدات ومدن تروّج لها (قسد)، غير موجودة على أرض الواقع”، قال الناشط الثوري لعنب بلدي، ضاربًا مثالًا مصطلح “روج آفا”، للتعبير عن مناطق شمال شرقي سوريا، في حين أشار الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري وابن مدينة القامشلي مهند الكاطع إلى أن “حسن نية” بعض التنسيقيات ووسائل الإعلام “الثورية” أسهم بنقل صور مغلوطة عن المنطقة، مثل استخدام مصطلح “مناطق كردية، ومناطق ذات أغلبية كردية”.
كان استخدام تلك المصطلحات بهدف إيضاح حجم وتنوع المشاركة الشعبية في الثورة، وهو ما أدى إلى “التشويه والتقصير” في نقل الواقع، وأسهم باستخدام مثل هذه المصطلحات في الإعلام العربي والعالمي لاحقًا، “هذا يشوه حقيقة الواقع الديموغرافي الذي تستفيد منه بعض القوى الانفصالية”، حسبما قال الكاطع لعنب بلدي.
أكثر من 90% من مناطق الجزيرة والفرات، يُحظر فيها الانتماء للثورة أو المعارضة، كونها تقع تحت سيطرة النظام وإيران و”قسد”، وحتى في المناطق الحدودية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، “تبقى الكلمة الأولى والأخيرة لمن يحمل البندقية”، على الرغم من رفع أعلام ورايات الثورة، وأي نقد إعلامي لسلوكيات وانتهاكات من قبل تلك الفصائل، “يتم التعامل معه بعدوانية شديدة، وهذا ما يعقد الأمور أكثر ويسيء للثورة وإعلامها”، حسب رأي الباحث السياسي والاجتماعي.
جانب آخر من جوانب التقصير هو “قصور” قوى المعارضة السياسية نفسها عن إيجاد تمثيل حقيقي يتناسب مع حجم المنطقة جغرافيًا وسكانيًا، ويأخذ بعين الاعتبار أهمية المنطقة من الناحيتين الجيوسياسية والاستراتيجية، كما قال الكاطع، مشيرًا إلى أن ذلك أدى لإضعاف التمثيل الإعلامي لهذه المنطقة على حساب كيانات أخرى كانت قادرة على إيصال رسالتها الإعلامية بشكل أسرع، مثل “قسد” وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
لكن ما سبق “لا يبرر ضعف الإعلام الثوري” في التركيز على المنطقة، التي تهتم بها القوى الدولية من أمريكا وروسيا وإيران وتركيا والنظام وإسرائيل والميليشيات التابعة لهم، حسب رأي الكاطع، ويتحمل أبناء المنطقة “جزءًا كبيرًا جدًا من المسؤولية” في نقل حقيقة الواقع إلى الإعلام الثوري، “لا نستطيع لوم ابن إدلب عن نقل تقرير يحتوي مغالطات عن الحسكة، إذا كان ابن الحسكة لا يقدم عبر عدسة جواله معلومات كافية عن المنطقة”.