إعداد فريق التحقيقات في عنب بلدي
خلال السنوات الأولى من انطلاقتها، وتحديدًا في العام 2012، دفعت الثورة ومطالبها بالسوريين للتعبير عنها بوسائل متنوعة من الفنون، بالتزامن مع تصاعد الحراك الثوري المدني، فبرزت الأعمال المسرحية والغنائية، وألفت النصوص الدرامية، التي قدمها فنانون شباب على شكل “سكيتشات” تناولت يوميات السوريين في الثورة، وصورت أحلامهم، وعكست “سوريا المستقبل” في أعمالهم.
ربيع الفن الثوري والخريف المستعجل
مثّل العام 2012، ربيع الفن المرتبط بالثورة السورية، لكن تلك اللوحة الفسيفسائية “المشرقة” سرعان ما بدأت تختفي ملامحها، مع تصاعد وتيرة العنف التي فرضها نظام الأسد من جهة، وظهور جماعات “متشددة”، حاربت الفنون لاعتبارات “دينية” من جهة أخرى.
فحلت الأناشيد التعبوية، التي غلبت فيها النبرة الطائفية، مكان الأهازيج الشعبية، وطليت اللوحات الغرافيتية التي عبرت عن روح الثورة بالشعارات العسكرية والرايات الفئوية، ولوحق الفنانون والمبدعون واعتقل بعضهم، فغاب الغناء والمسرح والرسم، وبقيت هذه الأنشطة تمارس على نطاق ضيق. وتراجع اهتمام الأهالي بتعليم الأولاد الفنون على اختلاف أنواعها، بسبب استمرار العنف، وتحت ضغط الحالة الاقتصادية، ما ينذر بولادة جيل سوري جديد لا يعرف شيئًا “اسمه فن”، كما يقول المسرحي السوري حسين برو.
هذه الحالة، أوصلت المناطق المحررة في سوريا، دون غيرها، إلى حالة من السوداوية، والحزن، والكآبة، لا يصدر عنها إلا العنف والقتل والتهجير، ولا يصور فيها الإعلام إلا المجازر والبراميل ويراقب عداد الضحايا، بينما توارى الفنانون بمواهبهم خلف الحدود، وركبوا القوارب إلى بلدان اللجوء، وبقي من أعمالهم الأطلال، تاركين حسرة في قلوب السوريين، الذين مايزالون يرددون حتى يومنا هذا أغاني الساروت والقاشوش.
لكن ثمة من يملك بقية إصرار وعزيمة، ويحاول تصدير الفن من المناطق المحررة رغم مرارة الحياة وصعوبات المعيشة، ودخول هذا الجانب من ثقافة السوريين وتراثهم في قاموس “المحرمات” في بعض المناطق، ليبرز تساؤل، يصفه البعض بأنه “ترفي”: هل بقي أثر للفن بعد خمس سنوات من الثورة؟ ما صفاته وخصائصه؟ هل لدينا مؤسسات فنية وأعمال ومشاريع قابلة للاستمرار لما بعد الحرب؟