عبد القادر الصالح.. رمزية الثورة في غياب صاحبها

يناير 4, 2023

مقالات

“الناس متعطشة للعدل، ومرت بظلم وبؤس، وتريد من ينصفها”، بهذه الكلمات عبّر قائد “لواء التوحيد”، عبد القادر الصالح، عن هموم الشعب السوري، في مقابلة متلفزة مع قناة “الجزيرة“، قبل أشهر من مقتله عام 2013.

بكلماته وغيرها من المواقف، رسّخ الصالح الصورة الثورية التي حفرها حضوره وعمله العسكري في وجدان الذاكرة الثورية، رغم مضي ثماني سنوات على رحيله، دون أن تنطفئ صورة الرمز في عيون الشارع السوري المعارض.

ويصادف اليوم الخميس، 18 من تشرين الثاني، الذكرى الثامنة لمقتل عبد القادر الصالح، بعد 34 عامًا من حياة سارت على إيقاع هادئ في بلدته مارع، بريف حلب الشمالي، عمل خلالها في تجارة الحبوب والمواد الغذائية قبل انخراطه بالعمل العسكري، منذ مطلع الثورة السورية، عام 2011.

البندقية وما قبلها

عمل الصالح بالدعوة الإسلامية في كل من سوريا والأردن وتركيا وبنغلادش، بعد إنهاء خدمته العسكرية في وحدة الأسلحة الكيميائية، التابعة لـ”الجيش السوري” قبل الثورة، وكان من أوائل المنظمين للنشاط السلمي والمظاهرات المناهضة للنظام السوري في بلدته، مارع، فلقّبه محبّوه بـ”حجي مارع”، نسبة لاسم بلدته.

بعد أشهر من اندلاع الثورة انتقل الصالح إلى العمل المسلح، واختير ليكون قائد الكتيبة المحلية في مارع، قبل قيادته مجموعة من الكتائب العسكرية في ريف حلب الشمالي، تحت اسم “لواء التوحيد”.

وصار الصالح قائدًا ومديرًا لغرفة العمليات في “اللواء”، الذي انضوى تحت رايته آلاف المقاتلين، المزودين بالأسلحة الخفيفة قبل الثقلية التي غنموها من قوات النظام.

على أكثر من جبهة

شارك “حجي مارع” في الكثير من المعارك التي شهدتها حلب، عاصمة البلاد الاقتصادية وثاني كبرى مدن سوريا بعد العاصمة دمشق، وبنمط متسارع تمكنت قوات “لواء التوحيد”، حينها، من السيطرة على المراكز الأمنية في النيرب والشعّار وهنانو والصالحين ومقر الجيش الشعبي وثكنة هنانو ومضافة آل بري، ومدرسة المشاة، ومشفى الكندي.

كما قاد “حجي مارع” معارك السيطرة على مدينة اعزاز الحدودية مع تركيا، ومدن الراعي وجرابلس والعديد من البلدات الكبرى في ريف حلب الشمالي، الذي كان خاضعًا لسيطرة النظام السوري.

وكان “لواء التوحيد” أول فصائل المعارضة التي دخلت إلى أحياء مدينة حلب، عام 2012، وأخرجت مساحات واسعة من المدينة بعد الريف، عن سيطرة النظام السوري، ولعبت دورًا مهمًا في الاشتباكات ضمن مناطق صلاح الدين والصاخور وسيف الدولة.

 

وإلى جانب المعارك السابقة، شارك الصالح في معارك السفيرة في ريف حلب الجنوبي، ومعارك “تحرير اللواء 80” القريب من مطار حلب الدولي.

البندقية خارج حلب

لم تنحصر العمليات العسكرية التي شارك بها وقادها الصالح بحلب، إذ توجّه برفقة قائد المجلس العسكري في حلب حينها، العقيد عبد الجبار العكيدي، ومئات العناصر، لمؤازرة المقاتلين في مدينة القصير بريف حمص الغربي، للمشاركة بواحدة من المعارك المفصلية بتاريخ الثورة السورية، إلى جانب إسهامه في قيادة معارك “قادمون” بريف حماة الشرقي، لفك حصار حمص الذي امتد بين شباط 2012 وحتى أيار 2014.

أشرف عبد القادر الصالح على المعارك عن قرب، ووقف على الصفوف الأمامية في الجبهات إلى جانب عناصره، ما أسهم في خلق صورة نموذجية عن قائد لم يأت من خلفية عسكرية، وتصدّر الخطوط الأولى على الجبهات، معتبرًا أن “يلي كاتبه الله بده يصير”، وفق ردّه على دعوات الحذر والحيطة توخيًا للخطر.

واستطاع بحنكته وتمسكه بأخلاقيات الثورة استقطاب المقاتلين للانضمام إلى “لواء التوحيد” الذي صار بعد أشهر من تأسيسه صاحب الكلمة الأولى على أرض المعركة في حلب.

وجدد الصالح في أكثر من ظهور مصّور زمن قيادته لـ”لواء التوحيد” دعوته الناس لتقديم الشكاوى في حال تعرض أحدهم لأي مضايقة من عناصر القوات التي كان يديرها، منشغلًا بجبهة عالية الضجيج مع قوات النظام، وأخرى صامتة مع من وصفهم في لقاءه عبر “الجزيرة”، بـ”المتسلقين” في إشارة لمن يستغلون الثورة وظروفها، محاولين تطويع الحدث والظروف لمصالحهم.

الحكمة والرصاص

لمع نجم الصالح سريعًا في سماء البلاد التي غصت بطيران قوات النظام، ورغم حالة الاستنفار العسكري اليومي الذي عاشته حلب في تلك الفترة، لعب دور الوساطة بين فصائل عسكرية متناحرة في أوج المعركة، فسعى للإصلاح بين “لواء عاصفة الشمال” حينها، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، في مدينة اعزاز شمال غربي حلب، في سبيل توحيد قوى المعارضة العسكرية تحت راية واحدة.

كما اجتمع قبيل مقتله بأيام مع قادة كل من “جيش الإسلام”، و”حركة أحرار الشام الإسلامية”، و”صقور الشام” لهذه الغاية، بغرض توحيد الصف العسكري على مختلف الجبهات المشتعلة في سوريا، مستثمرًا شعبيته الواسعة، واعتدال خطابه السياسي.

وانتقد الصالح في أكثر من مقابلة متلفزة، الحديث عن حماية الأقليات في سوريا، مشددًا في الوقت نفسه على دورهم وحقوقهم الكاملة في مستقبل سوريا بعد إسقاط النظام، مؤكدًا أن الأقليات في سوريا جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، وأن حقوقهم ستصان.

كان “حجي مارع” معروفًا ببساطة عيشه وتواضعه، هو من القلة القليلة التي اجتمعت على محبتها  قلوب السوريين، كان  شخصية جامعة، ومعروفة بإخلاصها، وبنزاهتها، وأخلاقها العالية.

ثورة شعب

أكد عبد القادر الصالح أن الثورة السورية غير طائفية، ودعا في أكثر من مناسبة لإقامة دولة معتدلة دينيًا، مشددًا على أن “الدولة الإسلامية لن تفرض على سوريا بقوة السلاح”.

كما انتقد ما اعتبره خذلان المجتمع الدولي، وعدم رغبته في دعم الثورة السورية وحسم الصراع لكفة المعارضة، وإلى جانب عدم توازن المعركة مع قوات النظام التي تمتلك الطائرات والمدافع، داعيًا في الوقت نفسه للثبات، والدفاع عن الشعب، “هي الثورة ثورة شعب والله معنا”.

محاولات اغتيال

تعرّض عبد القادر الصالح خلال سنوات الثورة الثلاثة الأولى لأكثر من محاولة اغتيال، ووضع النظام السوري حينها مكافأة مالية قدرها 200 ألف دولار أمريكي، مقابل اعتقاله أو قتله.
وفي 18 من تشرين الثاني، عام 2013، توفي “حجي مارع” متأثرًا بجراحٍ بالغة أصيب بها إثر استهداف طيران النظام السوري لأحد اجتماعات القادة العسكريين في “لواء التوحيد” داخل مدرسة المشاة في حلب، ودُفن في مسقط رأسه في مدينة مارع بقبرٍ حفره بنفسه وأوصى أن يدفن فيه.

ولاقى مقتل الصالح تفاعلًا واسعًا في الشارع المعارض، ليعلن “لواء شهداء الإسلام” في 19 من تشرين الثاني، بعد يوم واحد من مقتل الصالح، عن تشكيل كتيبة “الشهيد عبد القادر الصالح”، تقديرًا لبصمته في الثورة السورية، وعمله العسكري.

وكان الموسيقي التركي، محمد علي أصلان، نعاه على طريقته عبر أنشودة باللغة العربية باسم “شهيدنا راح”، باعتبار أن اللغة لا تقف عائقًا أمام من يناضلون في سبيل بلادهم.

 

المصـــدر

المزيد
من المقالات