أطلقت “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، كتاب “سجن صيدنايا خلال الثورة السورية: شهادات“، الذي يحمل بين دفتيه روايات حية لمعتقلين سابقين قضوا فترة احتجازهم في هذا السجن خلال السنوات الأولى للثورة السورية، إضافة إلى شهادة شقيقة أحد المعتقلين الذين توفوا تحت التعذيب داخله.
الكتاب الذي أُطلق اليوم، الثلاثاء 28 من تموز، يتحدث بشيء من التفصيل عن الحياة داخل السجن السيئ السمعة والمعروف باسم “المسلخ البشري”، على لسان ناجين من الموت ذاقوا أشد أنواع التعذيب والترهيب.
ويصف الكتاب يوميات المعتقلين وما يتعرضون له من حرمان بسبب سياسات التجويع، وانقطاع المياه، والوضع الطبي المتردي، وإجراءات التحقيق معهم، والمحاكمات التي تجري بحقهم، والعقوبات التي يتعرضون لها، وعمليات الإعدام، ونظام الزيارات، والتعامل مع المرضى.
ووفقًا لشهادة أحد المعتقلين، يُجبر السجانون في مشفى “تشرين” العسكري المعتقلين على قتل زملائهم الأضعف مقابل الإبقاء على حياتهم، وتقديم بعض الطعام الإضافي لهم.
ويوثق الكتاب لحظات مقتل معتقلين داخل السجن، والوسائل التي يعتمدها السجانون بعد ذلك لترهيب البقية بأجساد الأموات.
يوم في “صيدنايا”
أحد مؤسسي “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” ومنسق أعمالها، دياب سرية، أوضح في حديث لعنب بلدي، أن الكتاب يحاول عبر شهادات معتقلين سابقين أن ينقل القارئ ليعيش يومًا واحدًا أو ساعة واحدة في سجن “صيدنايا”.
وأشار إلى أن القصد من نقل تفاصيل التعذيب العنيفة والمميتة لم يكن إخضاع القارئ إلى جرعة قوية من الآلام، إلا أن شهادات المعتقلين لن تكون كاملة دون نقل هذه التفاصيل التي عاشوها داخل السجن.
ولفت سرية إلى أن قضية المعتقلين والمختفين قسرًا في سوريا، هي من أكثر القضايا الشائكة والمعقّدة في الصراع السوري، التي سوف يمتد أثرها إلى عشرات السنين المقبلة، معتبرًا أن الكتاب قد لا يقدم إضافة لهذه القضية بالمعنى الحرفي للكلمة، كونها أكبر من أن تغطيها الكتب أو التقارير الحقوقية وتضيف إليها، إلا أنه يأتي ولأول مرة بشهادات يرويها ناجون من سجن “صيدنايا” يصفون خلالها بدقة ماذا جرى معهم هناك، وكيف تمت معاملتهم وقتلهم وتعذيبهم حتى الموت.
الدفع باتجاه دعم قضية المعتقلين
ومن أجل مناصرة قضية المعتقلين والمفقودين السوريين، تعمل “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” على إبقاء تواصل دائم مع “لجنة التحقيق الدولية” التابعة للأمم المتحدة (COI) و”الآلية الدولية المحايدة والمستقلة” (IIIM)، و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، ومكتب المبعوث الخاص لسوريا، إضافة إلى العديد من المنظمات الدولية، من أجل إطلاعهم على المستجدات المتعلقة بسجن “صيدنايا” بشكل دوري، وفقًا لسرية.
وتابع في هذا السياق، “سوف نقوم بكل تأكيد بإرسال نسخ من الكتاب إلى جميع الجهات المذكورة، وحثهم على فعل المزيد، والضغط على حلفاء النظام السوري، وبخاصة روسيا والصين، للسماح للصليب الأحمر أو أي لجنة مستقلة أخرى بالدخول إلى مراكز الاحتجاز في سوريا وعلى رأسها سجن صيدنايا”.
وحول كيفية الحصول على نسخة من الكتاب للمهتمين، أوضح سرية أنه يمكن تحميله بنسختين عربية وإنجليزية بشكل إلكتروني مجانًا، عبر موقع “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا“، كما يمكن الحصول على نسخة ورقية مجانية من مكتب الرابطة في مدينة غازي عنتاب التركية، إضافة إلى توزيع نسخ ورقية على المنظمات والفعاليات السورية، وإرسال بعضها إلى دبلوماسيين وصناع قرار.
و”رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” تعرّف نفسها بأنها منظمة غير حكومية وغير ربحية مسجلة في تركيا، تسعى لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة للمعتقلين على خلفية رأيهم أو نشاطهم السياسي، كما تعمل على الكشف عن مصير المختفين قسرًا في سوريا بشكل عام وسجن “صيدنايا” بشكل خاص.
وتتعاون الرابطة مع اللجان والهيئات الدولية العاملة على التحقيق في “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” التي وقعت في سوريا، للقيام بتحقيقات وجمع الأدلة عن جرائم التعذيب والإبادة في سجن “صيدنايا”.
حيث يُقتل السوريون بهدوء
وكانت منظمة العفو الدولية وثقت في تقرير تحت عنوان “المسلخ البشري”، نشرته في شباط من عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري بحق 13 ألف معتقل في سجن “صيدنايا”، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015.
وأوضحت المنظمة أن الإعدامات جرت أسبوعيًا أو ربما مرتين في الأسبوع، بشكل سري، واقتيدت خلالها مجموعات تضم أحيانًا 50 شخصًا إلى خارج زنزاناتهم، وشُنقوا حتى الموت.
واستند تقرير المنظمة، الذي جاء في 52 صفحة، إلى تحقيق معمّق أجرته على مدار عام كامل، وتضمن مقابلات وشهادات لـ84 شخصًا، بينهم حراس سابقون في السجن، ومسؤولون ومعتقلون وقضاة ومحامون، إضافة إلى خبراء محليين ودوليين.
ووجهت المنظمة الاتهام إلى النظام واصفة سجن “صيدنايا” العسكري بأنه “المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.
كما اعتبرت في تقريرها أن الممارسات السابقة “ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، مؤكدة أنها “مستمرة على الأرجح في السجون داخل سوريا”.