ستة أعوام من القلق والانتظار، وذاكرة عن إنجازات رقمية وثورية، انتهت به رقمًا في سجلات ضحايا سجون الأسد، ورمزًا لثورة سلمية ظلّت معلّقة على الجدران، كما ثوب الفرح الأبيض الذي لم تعرفه زوجته.
ولد باسل خرطبيل الصفدي من أبوين فلسطينيين على أرض دمشق، فكان ثنائيّ الهوى والهويّة، تلك الثنائية التي جعلته في مقدمة صفوف المنضميّن إلى الثورة السورية عام 2011، مدافعًا عنها بأسلحته الخاصّة، خوارزميات معقدّة وكاميرا ثلاثية الأبعاد.
وتشهد كبرى شركات برمجيات الإنترنت مثل “فايرفوكس” و”ويكيبديا” و”فابريكتورز” أنّه لم يكن مجرّد مهندس معلوماتيّة جيّد، بل كان “عبقريًا” يحوّل التقنيّة إلى إبداع، ويستثمر هذا الإبداع في التنمية البشرية، ذلك ما يمكن أن يكون تهمة كافية لدى النظام السوري، الذي اعتقله ولم يعلن تهمته.
ورغم أنّ هذا الاعتقال تمّ في أواخر عام 2011، أي في بدايات الثورة السورية، إلّا أنّ باسل ترك أثرًا كبيرًا في نفوس الناشطين الثوريين إلى حدّ الآن، إذ يحسب له أنه أوّل من وثّق مدينة تدمر الأثرية بكاميرا ثلاثية الأبعاد، ليحفظ وثائق عن المدينة التي دُمّرت فيما بعد.
كما كان باسل المولود عام 1981، عضوًا مطورًا في كل من “مجتمع موزيلا الحر” و”مؤسسة المشاع الإبداعي”، وعمل على استثمار خبرته التقنية في المساعدة على تعزيز حرية التعبير والوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت.
خلال الأعوام الأربعة الأولى لاعتقاله، كان الأمل كبيرًا لدى خطيبته، نورا غازي، بالإفراج عنه، خاصةّ أنّ إمكانية التواصل معه في سجن عدرا لم تكن مستحيلة، كما كان محاميه يبذل جهودًا كبيرة من أجل أن يرى موكله النور، إلّا أنّ عام 2015 كان الفاصل بين بصيص الأمل، وخيبته.
اقتيد باسل إلى مكان مجهول، وانقطعت كلّ المعلومات عنه، ولم يعرف والداه وخطيبته أن تلك الفترة شهدت نهاية حياته، ووضعته أمام المصير الذي لم يسعَ للهروب منه يومًا، واستعدّ له قبل أن يُعتقل، حين غرّد قائلًا “المعرضون لخطر حقيقي لا يتركون بلادهم”، وفق مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
شغل باسل اهتمام عدد من المؤسسات الاجتماعية والإعلامية والتقنية العالمية، وكان في المعتقل أهلًا لجوائزها، إذ اختارته “فورين بوليسي” كواحد من أفضل 100 مفكر عالمي لعام 2012، في العام ذاته حاز على المرتبة الأولى لأكبر مفكر ثقافي في العالم متقدمًا على الرئيس التونسي المنصف المرزوقي.
كما حصد جائزة “مؤشر الرقابة للحرية” الرقمية لعام 2013، عن عمله في استخدام التقنية لتعزيز إنترنت مفتوح ومجاني.
منظمات حقوقية عدّة مثل “هيومان رايتس ووتش”، و”مركز الخليج لحقوق الإنسان” أثارتها قضيّة باسل، وطالبت بالإفراج عنه مرارًا، وأكّدت قلقها على سلامته.
ولم يكن ذلك القلق مجديًا، إذ أعلنت منظمة العفو الدولية أمس، 1 آب، نبأ إعدام المبرمج السوري في سجون النظام منذ عام 2015، لتتحوّل صفحات زملائه من النشطاء الثوريين إلى نعي آخر ما تمسّكوا به من ذكريات ثورتهم السلمية.
زوجته التي لم تكن زوجته إلا على الورق، رثت حلمها الذي لم يتحقق، وكتبت “شكرًا لكم فقد قتلتم حبيبي… شكرًا لكم، فبفضلكم كنت عروس الثورة وبفضلكم أصبحت أرملة، يا خسارة سوريا، يا خسارة فلسطين، يا خسارتي”.