“بسلاح حربي خفيف”، عبارة ارتبطت باتفاق إخلاء المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، التي شملت مدن ريف دمشق الغربي، ليكون آخرها حي الوعر المحاصر، الذي شمل اتفاقه خروجًا كاملًا لمقاتليه ومدنييه إلى الريف الشمالي لمدينة حلب، إلى جانب مدينة إدلب وريفها.
تنوعت الفصائل العسكرية في حي الوعر المحاصر قبل الاتفاق الأخير، و”رابطت” على جبهاته فصائل عدّت الركيزة الأساسية له، وكان لها الثقل الأبرز في صدّ محاولات تقدم قوات الأسد طيلة سنوات الحصار الثلاث الماضية، كحركة “أحرار الشام” الإسلامية، و”هيئة حماية المدنيين”، ولواء “البراء”، وكتائب “الهدى”، إضافةً إلى كتائب الأتباع، وبعض المقاتلين من “هيئة تحرير الشام”.
بعد الوصول إلى ريف حلب الشمالي، طرحت عدة تساؤلات عن الوضع العسكري الحالي للمقاتلين الواصلين حديثًا إلى الشمال السوري، سواء بمواصلة العمل العسكري ضمن تشكيلات “الجيش الحر” الموجودة في المنطقة، أو الاستمرار بالتشكيلات العسكرية السابقة بجسم مقاتل جديد.
“دعايات” فصائلية للانضمام
تنوعت وجهات مقاتلي حي الوعر حال وصولهم إلى ريف حلب الشمالي، وبرزت اتجاهات عدة، منهم من مشى على الخط العسكري الذي بدأه في حيّه سابقًا، وآخر ترك العمل العسكري بشكل نهائي، ليقبل على حياة مدنية تختلف جذريًا عن حياته العسكرية السابقة.
المقاتل بركات أبو زيد أشار إلى أن “المقاتلين الواصلين حديثًا إلى ريف حلب الشمالي انقسموا لأطراف، الأول يئس من الحالة العسكرية التي وصلت إليها الفصائل العسكرية في الفترة الأخيرة، وما آلت إليه الثورة السورية”.
كما “ترك كل ما يتعلق بالسلاح، وقرر الرجوع إلى الحياة المدنية، سواء الدراسة، أو البحث عن فرصة عمل تؤمّن له احتياجاته في الحياة”.
ولم تقتصر هذه الحالة على مقاتلي حي الوعر فقط، بل سُحبت في السابق على مقاتلي ريف دمشق الغربي والأحياء الشرقية من مدينة حلب، الذين ترك غالبيتهم السلاح وتوجهوا للحياة المدنية، وذلك لعدة أسباب كان أبرزها التنوعية الفصائلية في مدينة إدلب.
إلا أن الوضع العسكري في ريف حلب الشمالي يختلف عن الوضع الذي آلت إليه الفصائل العسكرية في مدينة إدلب، فـ”الحالة العسكرية منظمة” بالنظر إلى المناطق الخاضعة للمعارضة الأخرى.
يقول أبو زيد إن “قسمًا آخر من المقاتلين التحقوا بالفصائل العسكرية المنتشرة في ريف حلب”.
ويضيف في حديث لعنب بلدي أن “الفصائل العاملة في الريف الشمالي لحلب بدأت بحملة دعايات بعد وصول أهالي ومقاتلي حي الوعر إلى المنطقة، روجت من خلالها بين المقاتلين للانضمام إلى صفوف مقاتليها، مقابل تأمين السكن ومبلغ مادي”.
كما دعت بعضها (الفصائل) مقاتلي الوعر لحماية مخيماتهم بأنفسهم، على أن ينضووا في إحدى الفصائل العسكرية المنتشرة في المنطقة.
وتلقى 23 مقاتلًا في مخيم عين البيضا دورة عسكرية تدريبية ضمن فصيل “جيش الأحفاد” وانضموا إليه، إضافةً إلى 25 مقاتلًا انضووا في فصيل “جيش المنتصر بالله” العامل سابقًا ضمن غرفة عمليات درع الفرات، بحسب “أبو زيد”.
مدير المكتب الإعلامي في فرقة “السلطان مراد”، محمد نور، أشار إلى أن “300 مقاتل من مقاتلي حي الوعر انضموا للفرقة بعد صولهم إلى المنطقة”.
وأوضح في حديث مع عنب بلدي أن المقاتلين تم تنسيقهم في كتيبة أتبعت للفرقة، ويتم حاليًا تدريبهم على الأمور العسكرية.
تشكيلات عسكرية تعيد تشكيلها من جديد
علاوة على ما سبق، أشار أبو زيد إلى قسم ثالث، تمثّل بالمقاتلين الذين كانوا ضمن فصائل عسكرية لها مراكز وامتداد عسكري في ريف حلب الشمالي، لينضووا فيها مجددًا بعد وصولهم إلى الشمال الحلبي.
واعتبر أن “بعض المقاتلين اندرجوا في فصيلهم من جديد، وقُدمت لهم المعيشة والسكن داخل المقرات التابعة للتشكيل في المنطقة”.
في حين اتجه قسم آخر من مقاتلي حي الوعر، إلى إعادة تشكيل مجموعاتهم العسكرية من جديد، وبنفس العدد العسكري في منطقة شمال حلب، وتنتظر من تبقى من المقاتلين في حي الوعر حتى يخرجوا، لإدراجهم وتنسيقهم عسكريًا من جديد.
المقاتل بلال عودة أكد ما ذكره أبو زيد، وأوضح أن “وضع المقاتلين حتى الآن ليس مستقرًا، خاصة مع غموض الوضع العسكري في المنطقة (…) الوجهة العسكرية للفصائل العسكرية في ريف حلب لم تحدد بعد عملية درع الفرات، ولم يتضح الجو العسكري العام بشكل دقيق”.
إلا أنه ورغم ذلك، أشار المقاتل الحمصي إلى البدء بتنظيم صفوف مقاتلي حي الوعر بشكل تدريجي، لكن على مستوى ضيق (…) نرتب ونجمع صفوف بعض المقاتلين الذين نعرفهم سابقًا ضمن تشكيلات عسكرية صغيرة”.
أبو زيد تحدث عن فصيل شُكل حديثًا من مقاتلي حي الوعر بعد وصولهم إلى جرابلس، تحت مسمى “السلطان بيازيد” الذي مايزال في بدايات تشكيله، ولم تتضح تبعيته العسكرية في المنطقة.
واعتبر أن “عددًا كبيرًا من المقاتلين الحماصنة يرغبون بعد الوصول إلى شمال حلب بالانضمام ضمن تشكيلاتهم السابقة فقط، دون الذهاب إلى تشكيلات عسكرية أخرى”.
إلا أنه وخلافًا لذلك اندفع بعض المقاتلين للحاق بـ”دعايات” الفصائل، كخطوة لتأمين لقمة العيش والسكن والمأوى.
مقاتلون جدد في الشمال
في إحصائية لـ”لجنة إعادة الاستقرار” في ريف حلب الشمالي والشرقي، بلغ عدد مقاتلي حي الوعر بعد وصولهم إلى المنطقة حوالي 1300 مقاتل توزعوا على المخيمات وبلدات ريف حلب، إضافةً إلى 300 مقاتل في مدينة إدلب.
إلى جانب المقاتلين الأساسيين، برز عدد من المقاتلين الجدد الذين لم يكن لهم أي دور عسكري في حي الوعر خلال سنوات الحصار السابقة.
وبحسب أبو زيد “اتجه بعض الذين لم يحملوا السلاح في حي الوعر نهائيًا، للعمل ضمن الفصائل العسكرية في ريف حلب، ويقف الحصول على المال وراء هذه الدوافع”.
واعتبر أن “نسبة قليلة من مقاتلي حي الوعر الأصليين وصلوا إلى ريف حلب، وأغلب المقاتلين الواصلين حديثًا هم مسلحون”.
أسباب عدة ذُكرت للانضمام أو ترك العمل العسكري، لتكون الحاجة لتأمين المصروف اليومي اللازم للمعيشة اليومية من بينها، وخاصة في حال وجود عائلة وأطفال يحتاجون بشكل يومي لتوفير مستلزمات الحياة اليومية.
من جانب آخر أشار أبو زيد إلى “توجه بعض الفصائل بعد وصول أهالي المقاتلين، لتأمين السكن والمأوى دون أي مقابل، خلافًا لما سارت عليه بعض فصائل الحر تجاه الأهالي والمقاتلين حديثًا”.
وتنتشر في ريف حلب الشمالي والشرقي فصائل عسكرية كبرى، أبرزها “الجبهة الشامية”، “السلطان مراد”، “فيلق الشام”، “أحرار الشام”، “فرقة الحمزة”، “لواء المعتصم”، إلى جانب “جيش المنتصر بالله”، و”تجمع فاستقم كما أمرت”، والتي كانت القائد العسكري على الأرض لعملية “درع الفرات” والتي “حررت” فيها مدن الريف الشمالي والشرقي لمدينة حلب، من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية.