سارع عمال البلدية مساء الأحد إلى تنظيف منطقة “دوار النسر” في مدخل حماة الجنوبي، وتزيينها بالأعلام وصور “الرئيس المفدى”، فالاثنين (13 شباط) هو موعد إسدال الستار عن تمثال “القائد الخالد”، وما يرافقه من أهازيج وحلقات دبكة وهتافات “وطنية”، تحاكي ظروفًا عاشها أهالي المدينة عقب المجزرة الكبرى 1982، والتي شهدت في ذات اليوم قبل 35 عامًا إعدامًا جماعيًا لسكان حي الحميدية.
الاثنين “الأسود”، احتضن أيضًا فتيل مواجهات دموية، بين جماعات تدّعي مقارعة النظام الحاكم ونصرة السوريين، أسفرت عن مقتل عشرات الحمويين، وكشفت تصفية آخرين من أقرانهم، لتكون مجزرة بين الرفقاء في ذكرى المجزرة الكبرى، إلى الشمال من مسرح تنصيب تمثال الأسد.
ثلاث وقائع عاشتها حماة خلال شباط، عكست الواقع الأسوأ لها في ظل الثورة السورية، إذ لم يحرم أبناء المدينة من إحياء ذكرى المجزرة فحسب، بل ملأ النظام الجرح ملحًا، وأعاد إليها تمثال حافظ الأسد بعد ست سنوات على إزالته، في وقت بات تحريرها حُلمًا يراود البعض ويثير هواجس الآخرين، إثر تشظّي فصائل المحافظة والشمال عمومًا، وتطرّف بعضها بعيدًا عن الهوية الوطنية، ما انعكس على الواقع الأمني في الريف “المحرر”، وخلق حالة احتراب وتصفية غير مسبوقة.
المجزرة الكبرى تمر دون إحياء
خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الثورة ضد النظام السوري، استعاد الحمويون ذكرى مجزرة عام 1982، وأحيوها بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية والمناشير في حماة وريفها والمدن السورية عمومًا، قبل أن تستكين المدينة بكاملها للنظام وميليشياته في نيسان 2013، وتختفي رويدًا مظاهر الإحياء السنوية، لتقتصر خلال العام الفائت والجاري على بضع تقارير ومقالات في المنصات الإعلامية المحلية والعربية، رافقها تفاعل خجول في مواقع التواصل الاجتماعي، يذكّر بما حدث قبل 35 عامًا.
ومع مطلع العام 2013، بدأ شباب المدينة، مدنيوها ومقاتلوها، رحلة التهجير القسري باتجاه الشمال “المحرر”، باحثين عن وطن جديد بعيدًا عن سطوة الأجهزة الأمنية والعسكرية، من اعتقال وإخفاء قسري وتجنيد إجباري في صفوف قوات الأسد وميليشياته، بالتزامن مع تدفق آلاف النازحين من المدن والبلدات المنكوبة، لتغدو المدينة خلال أعوام أشبه بمركز إيواء كبير، ينقصه عنصر الشباب، وتشرف عليه ميليشيات وأذرع أمنية بمسميات مختلفة.
تشظّى شباب المدينة والريف بين الفصائل والجماعات المقاتلة من جهة وبلاد اللجوء المتعددة من جهة أخرى، لتفقد هذه المناسبة بريقها مع مرور كل عام، لأسباب يعزوها ناشطون إلى اندثار الحراك السلمي بشكل ملحوظ، وأدلجة الجانب العسكري وانحراف بوصلة بعض الجماعات المقاتلة، بالتزامن مع تعزيز النظام وحلفائه الموقف العسكري والسياسي، واستمرار آلة القتل للعام السادس ما جعل المجازر أمرًا اعتاده السوريون وتعايشوا معه.
تمكين “أسدي” عزّزه “الصنم“
اعتمد نظام الأسد سياسة الأمر الواقع في تمكين حكمه لحماة، أسوة بباقي المحافظات السورية الخاضعة له، فلجأ إلى الاعتقالات العشوائية والتجنيد القسري لشبابها، ما دفع غالبيتهم للهروب منها إلى ملاذات يرونها آمنة حتى لو قصفت بشتى أنواع الأسلحة، فوطد دعائم الحكم بالاعتماد على الأجهزة الأمنية والميليشيات المحلية، في ظل غياب أي حراك ثوري فيها.
وعزز الأسد سيطرته على المدينة الوسطى وجعلها قلعة عسكرية حصينة، بالاعتماد على المراكز التدريبية الإيرانية في اللواء 42 في ضواحيها الجنوبية، والمطار العسكري في الضواحي الغربية، وجبل زين العابدين في المحور الشمالي منها، عدا عن نحو 100 حاجز عسكري يتوزعون في أحيائها وشوارعها الرئيسية، ما جعل إمكانية اقتحامها من المعارضة أو تنفيذ عمليات عسكرية ضد قواته، أمرًا شبه مستحيل.
اضطر النظام السوري إلى إزالة تمثال حافظ الأسد في حزيران 2011، عقب مجزرة نفذتها الأجهزة الأمنية في جمعة “أطفال الحرية”، سقط فيها نحو 60 شابًا من المدينة كانوا قد خرجوا في مظاهرات سلمية قوبلت بالرصاص، فلجأ إلى هذا الأمر لامتصاص غضب الشارع، وخوفًا من إزالته بالقوة كما حدث في مناطق أخرى في سوريا.
قوبلت عملية إزالة التمثال، أو “الصنم” كما يذكره الحمويون، باحتفالات استمرت أيامًا في محيط “دوار النسر” بمدخل حماة الجنوبي، لما كوّنه من ذاكرة أليمة يستعيدها أهالي ضحايا عام 1982 كلما مروا بجواره، دعت أحد المتظاهرين إلى وضع حمار مكانه عقب إزالته، وليغني السوريون في مظاهراتهم “دريتوا شو صار بالدوار.. شالوا حافظ حطوا حمار”.
يعلم النظام أن الحمويين يكنّون الكراهية لحافظ الأسد ونظامه، ويرى الكثيرون منهم في إعادة تمثاله الكبير إلى مدخل المدينة رسالة مؤلمة للأهالي، عنوانها “الأسد باقٍ رغمًا عنكم”، وهو ما لخصه الإعلامي السوري فيصل القاسم في أحد مقالاته، قائلًا “إنها صفعة قوية لأهل حماة الذين يحبون حافظ كما يحب البشر مرض السرطان”.
مذبحة حموية بطلها “المنهج“
لم تَجد التحذيرات التي جاءت على لسان قادات “الجيش الحر”، وآخرين انشقوا عن “جبهة فتح الشام”، آذانًا صاغية، منذ قبول الأخيرة بيعة “جند الأقصى”، تشرين الأول 2016، ووصف حينها عسكريون الخطوة، بأنها تستّر على أعمال “الجند”، الذين استمروا بتنظيم المعسكرات في ريف إدلب، “وضخوا فيها كل أنواع التكفير”، في سياسة لم يغيرها الفصيل، وانتهج فيها منهج تنظيم “الدولة الإسلامية”، منذ تشكيله عام 2013.
وخلال تلك الفترة انشق عناصر “جند الأقصى” المنتشرون في ريف حماة، وشكلوا “لواء الأقصى”، بينما بايعت كتلة الفصيل الموجودة في سرمين بإدلب “جبهة فتح الشام”، وقيل إن الخطوة كانت “شكلية”.
في ذلك الوقت وصف حسام الشافعي، المتحدث باسم “فتح الشام”، التي تعتبر أبرز التشكيلات في “هيئة تحرير الشام” المشكلة حديثًا، مقاتلي “جند الأقصى”، بأنهم “مجاهدون أطهار سمع الجميع بصولاتهم في معركة تحرير إدلب”، إلا أن “المجاهدين” كانوا وبالًا على عناصر “الهيئة” وفصائل ريفي حماة وإدلب الجنوبي، خلال اقتتال بدأ بين الطرفين، 13 شباط الجاري.
إخوة الأمس خصوم اليوم
غدا “الأقصى” خصمًا لفصائل “الجيش الحر”، التي عمل إلى جانبها خلال معركة حماة الأخيرة، مطلع تشرين الأول 2016، وسمّاها بـ”غزوة مروان حديد”، والتي وصل لهيبها إلى أبواب المدينة، إلا أنها خبت تدريجيًا، بعد مواجهات بدأها الفصيل ضد حركة “أحرار الشام الإسلامية” وفصائل أخرى في جبل الزاوية، ثم امتدت إلى ريف حماة.
ومنذ ذلك الوقت، لم يستطع أي فصيل في الشمال السوري، ضبط تصرفات “جند الأقصى”، وهذا ما جاء صراحة على لسان “أبو يوسف المهاجر”، الذي شغل منصب الناطق العسكري باسم “أحرار الشام” سابقًا، ثم انضم إلى “تحرير الشام”، وأكد في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن “أبو محمد الجولاني”، المسؤول العام في “فتح الشام”، صرّح علنًا بأنه غير قادر على ضبط “الجند”.
مدنٌ وبلداتٌ تعتبر أيقونة في نظر الحمويين، ككفرزيتا ومورك وطيبة الإمام وغيرها، تحوّلت إلى ساحة اقتتال، سلّط فيها “لواء الأقصى”، فرع “الجند” في المنطقة، مقاتليه نحو مقرات فصائل “جيش النصر” و”الفرقة الوسطى”، إلى أن تطورت الأمور في الأحداث الأخيرة، إلى إعدامات ميدانية بحق مقاتلين من الفصيلين، ومعظمهم من سكان محافظة حماة.
ست ساعات استمرت عليها المناظرة بين “هيئة تحرير الشام” و”لواء الأقصى” في ريف إدلب الجنوبي، الأحد 12 شباط، لم تُفلح في “لجم غلو” الأخير، الذي نفّذ عناصره عمليات انتحارية في مقرات “الهيئة”، عقب رفض ممثليه “أبو عبد الله الغزاوي” وشرعييه “أبو أحمد حاس” و”أبو ذر الصوراني”، بند الاحتكام إلى محكمة شرعية يرتضيها الطرفان.
ولم يحمل الغزاوي وشرعياه سوى عبارات “التكفير” لمقاتلي “تحرير الشام”، خلال المناظرة، كما لم ينكروا “علاقاتهم الجيدة”، مع تنظيم “الدولة” على اعتبار أنهم “مسلمون”، وهنا بدأ هجومهم أولًا في مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، وقريتي كفرسجنة والتمانعة في ريف إدلب الجنوبي، واستولى “اللواء” على مقرات “جيش النصر” و”الفرقة الوسطى”، كما نتج عنه مصادرة مخازن أسلحة، واعتقال عشرات العناصر من “الجيش الحر”.
بلدات كفرزيتا والتمانعة وخان شيخون ومورك والركايا، في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، غدت ساحة حرب بين الطرفين، استمرت أكثر من خمسة أيام، حتى حُوصر مقاتلو “لواء الأقصى” في مدينتي خان شيخون ومورك، وقتل عشرات المقاتلين من الطرفين، وهنا هدأت المواجهات، عقب اتفاق يقضي بتوجه مقاتلي “اللواء”، إلى مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” شرق سوريا.
إعدامات ميدانية و“الأقصى” إلى “أرض الخلافة“
لم يألُ الطرفان جهدًا في القتال، إذ أقر مصدر إعلامي من “هيئة تحرير الشام”، في حديثٍ إلى عنب بلدي بمقتل العشرات من مقاتلي “الهيئة”، بينما قدّر خسائر “لواء الأقصى” بأكثر من مئة، في حين جرت مبادلة واحدة للأسرى بين الطرفين، شملت 15 أسيرًا (ثلاثة من تحرير الشام و 12 أغلبهم من أحرار الشام)، مقابل 15 محتجزًا من “اللواء” لدى “الهيئة”.
أولى الإعدامات الميدانية التي نفذها “لواء الأقصى” في بلدة موقا، شمال خان شيخون، بعد هجومه على محكمة تابعة لـ”تحريرالشام”، وإطلاقه سراح المحتجزين وإعدام عناصر المحكمة، قدرهم قياديون في “الهيئة” بـ43 عنصرًا، وتلاها عملية إعدام جماعي بحق مقاتلين من “الجيش الحر” في محافظة حماة، بعد اعتقالهم في الثامن من شباط.
وفق معلومات عنب بلدي، فإن أكثر من 130 مقاتلًا، ينتمون إلى فصائل مختلفة من “الجيش الحر”، وأغلبهم من عناصر “جيش النصر” و”الفرقة الوسطى”، قتلوا على يد الفصيل الجهادي(الأقصى)، وهذا ما أكده محمد رشيد، المتحدث باسم “جيش النصر”، وقال إن 72 عنصرًا من الفصيل، قتلوا بعد تسعة أيام من اقتيادهم إلى معتقلات “لواء الأقصى” في خان شيخون جنوب إدلب.
عقب صولات وجولات من المعارك، توقفت المواجهات بموجب اتفاق “سري”، حصلت عنب بلدي على بنوده من مصدر مطّلع، وكان السببان الأسياسيان لقبول الاتفاق، هو سيطرة “تحرير الشام” على تلة الصياد المطلة على خان شيخون، وتعتبر المعقل الرئيسي لـ”لواء الأقصى” في إدلب، والاستنزاف البشري إثر مشاركة “التركستان” في قتال “الأقصى”، الذي شهد انشقاقات في صفوفه خلال الاقتتال.
ووفق الاتفاق يخرج مقاتلو الفصيل الجهادي (الأقصى) إلى الرقة بسلاحهم الخفيف، عبر طريق أثريا- خناصر في ريف حماة الشرقي، على أن يكون “الحزب الإسلامي التركستاني” ضامنًا ومشرفًا على خروجهم، بعد تسليم الأسلحة الثقيلة والمقرات العسكرية، بينما قوبل الاتفاق بترحيب مقاتلي “الأقصى”، وهذا ما أكده تسجيل صوتي لأحد مقاتلي “اللواء”، حصلت عنب بلدي عليه، وقال “إلى الرقة يا أخوة.. سنذهب إلى أرض الخلافة”.
“غضب عارم” في ريف حماة
جرى الاقتتال بين “تحرير الشام” و”لواء الأقصى”، وسط صمت من أغلب الفصائل في المنطقة، وتحدث البعض عن رفض “تحرير الشام”، مؤازرة عرضتها “أحرار الشام”، التي قادت وفصائل أخرى معارك ضد “الجند” أواخر العام الماضي.
ورد المتحدث باسم الحركة، أحمد قرة علي، في حديثٍ إلى عنب بلدي، على صمت “الأحرار” بخصوص ما يجري، بقوله إن “الهيئة وجبهة فتح الشام تحديدًا، انتهجت سياسة خاصة في هذا الملف، وتعاملت معه وكأنه مشكلة متعلقة بجماعة لها سلطة عليها”، معتبرًا أن “تدخل أي فصيل سيحرج مختلف الأطراف”.
رافق التطورات الميدانية وحالة الاحتراب بين الفصائل، غليان وغضب ملموس بين ناشطي الحراك السلمي وقادة المعارضة على حد سواء، لا سيما بعد توارد الأنباء عن مجازر “الأقصى” بحق مقاتلي “الحر”، وانتقدوا تعامل “هيئة تحرير الشام” مع القضية، وقبولها بخروج عناصر الفصيل الجهادي إلى الرقة بسلاحهم الخفيف، عوضًا عن إخضاعهم للقضاء.
رفضٌ واسعٌ لخروج “الغلاة” رصدته عنب بلدي، جاء على لسان متابعين للأحداث في الشمال السوري، وتعجّب بعضهم من “عجز” فصيل ادعى تمثيله ثلثي القوة العسكرية على الأرض(جبهة فتح الشام)، ويضم عشرات الانغماسيين، عن “لجم الخوارج” في مورك وخان شيخون، في إشارة إلى مقاتلي “لواء الأقصى”.
بينما تحدث آخرون من منطلق آخر، معتبرين أن أكثر المتضررين من خروج مقاتلي الفصيل الجهادي، “هم فرع الشرقية في هيئة تحرير الشام”، إذ إن عبور الجند إلى الرقة سيكون من مناطقهم، “وهذا ما يتيح استهدافهم بشكل مباشر من قبل مقاتلي الأقصى حين خروجهم”.
بعيدًا عن التفاصيل، ينظر مختصون في الحركات “الجهادية” إلى الاقتتال، على أنه بين طرفين يحملان الفكر السلفي الجهادي، ويصفونه بـ”اقتتال المنهج الواحد”، بعيدًا عن التوجه الوطني الذي يلبي طموحات السوريين، وفق وجهة نظرهم، في حين كانت الضحية الأبرز فيه فصائل “الجيش الحر” في المنطقة.
ما حدث في حماة وريفها، في شباط “الأسود”، سيبقى محفورًا في أذهان الأهالي ومقاتلي “الجيش الحر”، ويعطي انطباعًا واضحًا، أن استمرار التشظي في الصف المناوئ للنظام سيقابله تدفق دماء “رفقاء السلاح” والأهالي على حد سواء، وتوطيد الأسد أركان حكمه مجددًا على دماء السوريين، ما يستدعي مراجعة واقعية للأحداث، كي لا يقف السوريون أمام خيارين دمويين لا ثالث لهما: إما الاستبداد أو الإيديولوجيات المتطرفة الدخيلة.
كيف يرى مثقفو المحافظة صراع أبنائها؟
مرهف السقّا- دكتور وباحث إسلامي من حماة
“المجزرة التي فعلتها جند الأقصى منذ يومين، بقتل أكثر من 150 شابًا من محافظة حماة كانوا مختطفين لديهم، يعد إفسادًا في الأرض بالوصف الشرعي، مع تثبيت وصف الخوارج عليهم، ويذكرنا بما فعلته داعش في الرقة والدير، من قتل الشباب الأسرى لديها، ومن تعتقلهم من الجيش الحر وغيرهم.
فهي إذن على خطى داعش في العمل، ويتحمل مسؤولية هذه الجريمة كل من كان سببًا في تمدد هذا السرطان الخبيث في فكر شبابنا وسلوكهم، وكل من آواهم وحماهم وتورع عن إنزال عقوبة الشرع فيهم.
فجريمتهم هذه لا تقل بشاعة عن بشاعة جريمة ذلك الطفل الذي بترت ساقاه بقصف مروحي، بل أشد فظاعة، لقد جاءت في شهر يتذاكر فيه الحمويون مأساة حماة في نفس هذه الأيام عام 82، فمتى يصل شبابنا للوعي الكافي، ليعلموا أن مثل هذا الفكر والتنظيمات إنما هي أجندات تتحرك لتجعل من الأخوة أعداء يقتل بعضهم بعضًا.”
حذام زهور عدي- كاتبة وباحثة من حماة
“ليس ما يلفت النظر فقط إعادة تمثال حافظ الأسد إلى المكان الذي انتزع منه سابقًا في حماة، دون غيره من التماثيل التي ملأت سوريا وتحطمت أو أزيلت من مكانها، وإنما ما رافقه من معارك احتدمت بين جند الأقصى والجيش الحر، وخاصة أن عددًا كبيرًا من الشباب استشهد في تلك المعارك.
من الصعب ألا نفهم من ذلك المشهد أن ما يحدث هو استفزاز مقصود للمدينة الهادئة نسبيًا، وأن شيئًا ما مخطط مسبقًا، لإعادة تدميرها بحجة وجود إرهابيين حولها أو داخلها، وأتمنى أن يفوّت شباب حماة الفرصة على النظام لإنجاح ذلك المخطط، وأن يقتدوا بحديث الرسول محمد (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
وعلى الثوار أن ينتبهوا جيدًا، ويحذروا من المخترقين المزاودين، فهم أفخاخ نظام الأسد، وهم من حركوا الفتنة بين الفصائل، ما أدى إلى سقوط العدد الكبير من الجانبين، معظمهم من الشباب المقاتل الذين أذاقوا النظام المرَّ على أبواب حماة”.
عبد الناصر حوشان- محام وحقوقي من ريف حماة
“أصبح السباق بين المدن على تحييدها عن الثورة، وليس على إسقاط النظام، فالمقتلة التي وقعت بحق أبنائنا وإخواننا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بما يجري في مدينة حماة، التي كان المعوّل على أحرارها استلام راية الكفاح المسلح، بعد ثبوت ريادتها في الحراك السلمي، وتحولها ما بين وليلة وضحاها إلى مدينة تحكمها الشبيحة و تطرد أبناءها إلى الأرياف ليقتلوا بعيدًا عن أسوارها.
إن مهادنة حماة للنظام ورّث خيبة أمل لكثير من الأحرار، واستمرار هذه المهادنة طيلة أربع سنوات توّجت بإعادة تمثال المقبور، دلالة على الخنوع والذل الذي وصلت إليه، وللأسف أن من قام بهذه المقتلة بحق الجيش الحر في كفرزيتا هم أبناء جلدتنا الذي طُردوا من المدينة المهادنة وآويناهم في بيوتنا وأكلوا من زادنا وشربوا ماءنا.
القاتل والمقتول كانوا بالأمس في معركة مروان حديد، شركاء بالدم من جيش النصر وجيش العزة وجند الأقصى، إنها عملية غدر فاضحة، وطعنة في الظهر من أناس استغلوا مروءتنا وشهامتنا عندما تركنا لهم ديارنا على أن يحموها، فردوا إلينا إحساننا بقتل خيرة شبابنا.
نحن المقتولون من عام 1982 حتى قيام الساعة، بغدر الغادرين وتخاذل المهادنين، وتجار الدم والدين، مأساتنا بدأت منذ صمتنا عن شهداء الثمانينات رغم رؤيتنا للمجرمين أمام أعيننا، يحكمنا من قتلنا منذ الثمانينيات فكيف يستكين صاحب حق لا أعرف؟ هل ذهبت نخوتنا؟ أم ضاعت كرامتنا حينما رضينا بالأمن والأمان لها بديلًا؟ باختصار نحن المجرمون بحق أنفسنا، استبدلنا كرامتنا بأمان زائف يقدمه لنا شبيح قاتل مغتصب، مصيبتنا بمهاجري الداخل وليس بمهاجري الخارج.”
عصام لحام- كاتب وصحفي من حماة
“يبدو أن قدر محافظة حماة أن تكون أول وأكبر دافع لأثمان الحرية والاعتدال، فشهدت قبل 35 عامًا أفدح جرائم نظام الأسد الأب، واليوم وفي ذات التاريخ تشهد أفظع جريمة بحق ثوارها على يد المتشددين، ليكون شباط نقطة سوداء لا يمكن محوها أو نسيانها.
إن إعادة نصب تمثال حافظ الأسد مرتكب مجزرة حماة، والتي راح ضحيتها 40 ألف شهيد على أقل تقدير، هي رسالة مبطنة بأن من ارتكب المجزرة حينها بقي حاكمًا ومات على الكرسي، واليوم سيعاد التاريخ مع ابنه الذي قتل من الشعب السوري ما يناهز نصف مليون، وسيبقى ويحكم حتى ينقل الحكم بدوره إلى فرد جديد من أسرة القتلة.
ولعل توقيت إعادة التمثال والجريمة الفادحة التي ارتكبها المتشددون، الظاهرون بلواء الأقصى والمبطنون بعدة مسميات، هي رسالة لأهالي حماة أنكم أمام خيارين، إما أن تنسوا القاتل الأكبر وتسمحوا ببقائه، أو تقتلون على يد المتشددين.”
محمد السكاف- طبيب وناشط حقوقي من حماة
“الاقتتال هو بمثابة إفناءٍ للحاضن العسكري الحموي في الثورة، من يعلم الحقيقة ويتابع عمليات التوثيق ويقرأ الأرقام، يعلم تمامًا بأنها محرقة حقيقية، أضف إلى ذلك نوعية العسكريين القتلى نتيجة الاقتتال بحكم كوني حمويًا، وأعلم تمامًا الخلفيات الفكرية لجميع القتلى والمقتتلين حاليًا، هم لم يحملوا مشروع الفكر السلفي أو التكفيري مطلقًا، بإمكاننا القول إنهم أجبروا على ذلك بسبب غياب التمثيل الصحيح عسكريًا للمشروع الوطني الثوري.
التنظيمات الإسلامية المتشددة، وبشكل خاص التكفيرية منها كفصيل لواء الأقصى، تملك قدرة عجيبة على غسيل أدمغة منتسبيها أو المغرر بهم، ما جعل الأمر أكثر سوءًا، وأدى إلى تواتر حالات كان فيها القاتل قريب المقتول أو من أبناء ذات الحي، واشتركت سواعدهم معًا في معارك كثيرة ضد النظام البعثي.