لأشهر طويلة، قام عناصر كتيبة شهداء البياضة في حمص المحاصرة، ومن بينهم عبد الباسط الساروت “منشد الثورة السورية” بحفر نفق طويل للتسلل إلى مبنى الطواحن المتاخم لحي الخالدية، من أجل تأمين مادة “الطحين” لأكثر من 800 عائلة محاصرة في المدينة القديمة إثر الحصار الخانق الذي فرضه نظام الأسد على المنطقة لأكثر من سنة ونصف.
في ذلك يوم، تمكن نحو 100 شخص من كتيبة شهداء البياضة بالتسلل عبر النفق إلى المنطقة المحيطة بالمطاحن، وانتشر عشرات من الثوار الذين خرجوا من النفق في المنطقة المحيطة بمبنى المطاحن بصمتٍ دون أن يلفتوا انتباه نقاط تمركز ميليشيات الأسد المتوزّعة في المنطقة، والقريبة من مبنى المخابرات الجوية المدجّج بالسلاح الثقيل ومئات العناصر وأجهزة الرصد الليلية المتطورة، فقد كانت الخطة هي تسلل الثوار إلى مبنى المطاحن دون اشتباك.
لم تجر الأمور كما خطط لها الثوار، الذين كانوا يواصلون الخروج من النفق السري والانتشار في محيط مبنى المطاحن تمهيداً للتسلل إليه. ويشرح أبو أحمد ما حدث عندما اكتشف أحد جنود النظام، والذي كان يمرّ بالمصادفة في ذلك الشارع، حركة بعض الثوار الذين كانوا يخرجون من النفق فأطلق النار على الفور، فقام الثوار بتصفيته كي لا يهرب ويخبر باقي الجنود. إلا أن صوت إطلاق النار نبّه حواجز النظام المنتشرة على مقربةٍ من المطاحن إلى ما يجري، فقامت بإطلاق رصاصٍ كثيفٍ على المنطقة، فنشبت اشتباكاتٌ عنيفةٌ لم يكن الثوار يخططون لها، وفقدوا بذلك عنصر المفاجأة الذي راهنوا عليه لنجاح عملية التسلل.
حاول عشرات الثوار الصمود في محيط المطاحن، وإجبار الأرتال العسكرية المدجّجة من جنود النظام على الاقتراب أكثر، لتقليص مساحة الاشتباك وحرمان قوّات النظام من فرصة القصف عن بعدٍ كي لا يصيب جنوده. ولكن قوات الأسد لم تكترث لمصير عشراتٍ من جنودها الذين أجبروا على التقدّم باتجاه الثوار، فضحّت ببعض مقاتليها وتركتهم يواجهون الموت برصاص الثوار وتحت نيران أكثر من 150 قذيفة. فردمت فتحة النفق، وانسحب نحو 30 مقاتلاً من الثوار، وأصيب معظم الباقين خارج النفق، وتحصّن البعض مع الجرحى داخل أحد المباني المحاذية لمبنى المطاحن، إلا أن قذائف الدبابات هدمت المبنى بالكامل، واستشهد جميع أفراد كتيبة شهداء البياضة.
راح ضحية المعركة أكثر من 60 قتيل.