14 سبتمبر, 2012

معركة الحسم المرتقب “الفوج 46”

الأتارب، سوريا

معارك

معركة أطلقتها الكتائب العاملة في ريف حلب الغربي لتحرير الفوج 46 قرب مدينة الأتارب.

بعد تحرير مدينة الأتارب في الأول من شهر تموز 2012، وانسحاب ما تبقى من فلول قوات النظام إلى مدرسة الزراعة الواقعة على مفرق بلدة الأبزمو، لتصبح خط الدفاع الأول عن الفوج، تبعها الانتصار في معركة صد الرتل وتدميره في السادس عشر من شهر آب، كان لا بد من تحرير الفوج 46 الذي عاث في المنطقة قتلاً وتدميراً بمدفعيته وراجماته في القرى والبلدات المجاورة .

تم التخطيط للمعركة مع بداية الشهر التاسع من العام 2012، من قبل مجموعة من الضباط المنشقين والقادة الثوريين، أغلبهم من أبناء المنطقة، وتم تحديد محاور القتال وتوزيع المهام على الفصائل المشاركة (لواء الأنصار، كتائب نور الدين الزنكي، لواء شهداء الأتارب، لواء أمجاد الإسلام، لواء أحرار دارة عزة، لواء آل البيت) ومجموعات من أبناء المنطقة.

بدأ هجوم الثوار مع أول ضوء، بما توفر لديهم من أسلحة خفيفة ومتوسطة وقليل من الذخائر التي غنموها من المعارك السابقة، لا تكاد تكفي لتحرير سرية أو حاجز، وليس فوج قوات خاصة معززاً، ومعه العديد من القرى المجاورة المليئة بالشبيحة.

بعد معارك ضارية ارتقى فيها الكثير من الشهداء على محور الفوج ومدرسة الزراعة، حيث الكتلة النارية الأكبر للقوى والوسائط، ومقر القيادة، لم يستطع الثوار بإمكانياتهم البسيطة، تحقيق أي تقدم، وتوقف العمل على هذا الاتجاه، منحازين لاستكمال العمل على المحاور الأخرى، حيث يخوض أبطال لواء الأنصار  معارك شرسة في ريف المهندسين، وأورم الكبرى، بالتنسيق مع كتائب الزنكي التي هاجم أبطالها حاجز عويجل وحرروه،  واستمرت المعارك الطاحنة  لمدة ثلاثة أيام، تم على إثرها تحرير كل القرى المحيطة بالفوج والواقعة على طريق خط الإمداد (أورم الصغرى، كفر جوم، الشيخ علي، عرادة، كفرناها) وكان الأهم تحرير بلدة أورم الكبرى الواقعة على طريق الإمداد والمليئة بالشبيحة الذين يزيد عددهم على 400 شبيح.

بعدها بأيام خرج رتل كبير لقوات النظام من بلدة خان العسل، كانت وجهته فك الحصار عن الفوج واستعادة المناطق التي سيطر عليها الثوار، لكنه لاقى مقاومة عنيفة من جميع الفصائل الموجودة في المنطقة، ودارت رحى معارك طحنت الأخضر واليابس استمرت 52 يوماً، لم يستطع النظام خلالها التقدم سوى 7 كم، كانت معارك استنزاف ارتقى فيها عدد كبير من الشهداء، وتعرض الكثير من المقاتلين لإصابات بليغة أخرجتهم من المعركة، وأصبح الوضع حرجاً، وأوشكت الفصائل على الانهيار، ولم يعد بمقدور الثوار الصمود في وجه الرتل، فالذخيرة نفدت، وأعداد الشهداء والمصابين فاقت القدرة على التحمل.

بدأت المعركة برمي التمهيد المدفعي من مدافع الهاون، وراجمة كورية قدمتها القيادة المشتركة للمجالس العسكرية آنذاك، هاجمت الفصائل والمجموعات التي كان يقودها جميعاً ضباط منشقون، كلٌّ حسب المحور المحدد له ملتزمين بالخطة العسكرية، ودارت رحى معركة ربما كانت هي الأعنف والأقوى، استمرت حتى منتصف الليل دون توقف أو انقطاع، كانت المقاومة عنيفة جدا، وخاصة في مدرسة الزراعة التي كان يقود القوات فيها العقيد علي زرزر المعروف بولائه الشديد، وعناده وشراسته في القتال، والإصرار على الصمود على أمل وصول رتل المؤازرة، الذي كان الفضل الكبير بالتصدي له للواء الأنصار وكتائب الزنكي.

عند منتصف الليل تخلى العقيد علي زرزر، المدافع عن مدرسة الزراعة، عن عناده وأدرك أنه لا يمكن الصمود في موقعين، بعد أن تم اختراق تردد قبضته اللاسلكية، وخاطبه قائد العملية بقوله: “شوف ولاك علي، نحن يا منموت، يا منفوت” فانسحب مع ما تبقى من ضباطه وجنوده إلى الفوج، لتعزيز خط الدفاع عن الجهة الشمالية الشرقية حيث مقر القيادة ومستودعات السلاح، وسقطت القلعة المتقدمة.

استمرت المعركة طوال الليل وأنهك الطرفان، وكادت بعض المجموعات أن تنسحب، لولا الجنود المجهولون الذين نسميهم في العلم العسكري عصب المعركة، وهم مجموعة الإشارة. مع شروق شمس اليوم الثاني ووصول تعزيزات ومؤازرات جديدة من كتائب الزنكي ولواء الأنصار، أعاد القادة ترتيب الصفوف، وبدا النصر قاب قوسين، فشن الثوار هجوما كاسحاً، واستطاعت بعض المجموعات السيطرة على كتيبة الدبابات، وكتيبة المدفعية، فحرقوا مقر القيادة برمايات المدفعية والدبابات، ومع بلوغ الشمس كبد السماء كانت قد دخلت كل المجموعات معلنة تحرير الفوج، وفر قائد الفوج ومعه بعض الضباط بعربة (ب م ب) باتجاه بلدة الزربة، ومنها إلى الأكاديمية العسكرية، على الجانب الآخر، ومع بدء انهيار القوات في الفوج، انسحب الرتل المهاجم إلى مطاحن الفرواتي بالقرب من مدرسة الشرطة في منطقة مرتفعة ومحصنة جداً لحماية مدرسة الشرطة. مع تحرير الفوج 46 أسدل الستار على فصل من فصول الإجرام الأسدي الذي كان يقض مضاجع سكان المنطقة على مدار الساعة، قتلاً وتدميراً.