شهد النصف الثاني من العام 2013 سعياً حثيثاً من فصائل الثوار لقطع طرق إمداد قوات النظام إلى الشمال السوري في حلب، خاصة بعد دخول ميليشيات إيران الطائفية متعددة الجنسيات إلى المواجهة في سوريا، بداية من معركة القصير مع ميليشيا “حزب الله اللبناني” في يونيو \ حزيران عام 2013، وانتهاء بعشرات الميليشيات الشيعية الأخرى التي باتت تشكل القوام الصلب لقوات النظام في معاركه الرامية لتأمين المنطقة الوسطى في سوريا (حماة – حمص)، فضلاً عن تأمين طريق إمداده إلى حلب عاصمة الشمال السوري التي كانت تنقسم السيطرة فيها بين فصائل الثوار وقوات النظام.
ليشن الثوار عدداً من المعارك العسكرية مستهدفة طريق الإمداد هذا في مواقع مختلفة، فكانت المرحلة الخامسة من معركة “المغيرات صبحاً” للسيطرة على خان العسل التي كانت تؤمن طريق الإمداد بالنسبة للنظام قبيل دخوله القسم الغربي الخاضع لسيطرته في المدينة، ومعركة “القادسية” التي استهدفت المواقع إلى الشمال من خان العسل غربي المدينة، إضافة إلى “معركة رص الصفوف” التي تمكنت فيها الفصائل أواخر آب عام 2013 من إنجاز تقدم كبير بتحريرها بلدة خناصر الاستراتيجية في أقصى ريف حلب الجنوبي، قاطعة بذلك طريق إمداد قوات نظام الأسد إلى مناطق سيطرتها في مدينة حلب وريفها الجنوبي القريب من نقطة بدايته، وذلك ضمن المعركة التي حملت أهمية أخرى غير إنجازاتها الميدانية، وهي بناء تجربة عسكرية مشتركة بين فصائل المدينة وفصائل ريف حلب الغربي، سامحة بانتقال التخطيط -بالنسبة للفصائل الثورية- من مستوى المناطق منفصلة، إلى تخطيط على مستوى المحافظة ككل.
وفي الوقت الذي تمثلت فيه استراتيجية فصائل الثوار بضرب طريق الإمداد في نقاط متفرقة منه محققين انتصارات كبيرة، ومع الصعوبة البالغة التي واجهتها قوات النظام في حمايته في كل جزء من أجزائه يهاجمه الثوار، تحولت قوات النظام إلى تأمين الطريق بالتتابع من الجنوب إلى الشمال، ضمن معركة واحدة باتت تعرف لاحقاً باسم “دبيب النمل”، انطلاقاً من الجزء الجنوبي للطريق (بدءاً من السيطرة على خناصر وصولاً إلى مدينة السفيرة جنوبي حلب).
والعاديات ضبحاً
بدأت قوات النظام تحضر لحملتها العسكرية (دبيب النمل) في سبتمبر \ أيلول عام 2013، واضعة نصب أعينها السيطرة على بلدة خناصر الاستراتيجية أولاً، ثم التوجه منها إلى الشمال لتأمين طريق الإمداد كلياً، وهو ما دق ناقوس خطر لدى فصائل ثوار حلب التي كانت تقاتل على جبهات واسعة داخل المدينة وفي محيطها، حيث بدأت في الشهر نفسه معركة معاكسة اشتركت فيها -للمرة الأولى- معظم فصائل حلب وريفها باسم “والعاديات ضبحاً”، تيمناً بالآية الكريمة من سورة العاديات، واستحضاراً للنجاح الكبير الذي حققته معركة “المغيرات صبحاً” قبلها بفترة بسيطة.
كان ميدان المعركة الأهم هو ريف حلب الجنوبي، الذي امتلكت فيه قوات النظام أفضلية الطيران والآليات العسكرية المصفحة، مع طبيعة أرض المعركة الأقرب للصحراوية بمساحات واسعة جرداء تسهل عمل الطيران والمدفعية، بينما امتلكت فيه فصائل الثوار قدرتها العالية على التحرك بشكل مجموعات صغيرة تعتمد نظام الإغارة السريعة، في مساحة واسعة يصعب تأمينها على أي من الطرفين، لذلك كانت منطقة خناصر تشكل أفضل فرصة لعمليات المناورة ضد قوات النظام بالنسبة للثوار، وهو ما جعل السباق بين الطرفين فعلياً يتركز حول قدرة فصائل الثوار على تأمين المنطقة خلفهم في السفيرة والتحول للدفاع عند خناصر، وحول قدرة قوات النظام على احتلال منطقة خناصر وتأمينها قبل التوجه شمالاً باتجاه منطقة السفيرة التي تكثر فيها القرى والتلال الحاكمة، بحيث يكون تحويلها لميدان معركة أجدى بالنسبة لهم.
اعتمدت فصائل الثوار لتحقيق هدفها استراتيجية افتتاح محاور متعددة لتشتيت قوات النظام، مع الحفاظ على ميدان مركزي لأرض المعركة شرقي مدينة السفيرة بشكل أساسي، لقطع طريق الإمداد بين معامل الدفاع والمطار شرقي مدينة حلب، وحصار معامل الدفاع التي كانت تشكل واحدة من أهم منشآت النظام العسكرية في سوريا، بحيث يتم تأمين هذه المنطقة خلفهم عند التوجه إلى خناصر.
بعد سلسلة من العمليات العسكرية التي حرر فيها الثوار عدداً من القرى، تمكنت الفصائل بالفعل من قطع طريق الإمداد وتأمين منطقة السفيرة نسبياً، إلا أن قوات النظام التي سرعت من عملياتها كانت قد تمكنت من احتلال بلدة خناصر مطلع شهر أكتوبر \ تشرين الأول، متوجهة بعدها إلى مدينة السفيرة التي باتت نقطة الدفاع المتقدمة الأخيرة للثوار جنوبي حلب.